بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} الحج 7
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } المدثر38
صَدَقَ اللهُ العَلىِّ العَظِيّم
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته بداية أتوجه بشكرى لأخونا الفاضل عماد للفت
نظرنا لهذا الموضوع الهام ، بطرحه سؤاله بمنتدى المشرفين عن فيديو منتشر
على شبكة النت خاص بالإثبات العلمى لكيفية إحياء الله للموتى يوم القيامة ،
والتى هى بلا شك حقيقة مثبته بالكتاب والسُنة ، ولذلك فكرت فى طرح هذا
الموضوع الذى أتحدث فيه عن قضية الموت والبعث والنشور من واقع ما ورد
بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة المطهرة .....
يُعد البعث بعد
الموت وحشر الخلائق إلى بارئها لنيل جزائها يوم القيامة ، من العقائد
الأساسية في القرآن الكريم ، ولما كانت هذه العقيدة محل شك واستبعاد من قبل
المشركين كما حكى الله عنهم قولهم : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً
وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} الصافات 16 فقد اهتم القرآن اهتماماً
بالغاً بإثبات هذه العقيدة وتقريرها ، والرد على المشككين فيها ، وتنوعت
أدلة القرآن في تقرير هذه العقيدة بين إخبار بوقوع البعث ، وتدليل على
وقوعه ، واستدلال بالحس على إمكانه ، وتشبيهه بأمور تجري واقعاً في الحياة ،
وبين ذكر قصص متنوعة لحالات تم فيها بإرادة إلهية إحياء الموتى ،وسوف نعرض
لهذا كله من خلال استعراض آيات القرآن الواردة في هذا الشأن .
أولاً:
خبر القرآن بالبعث: قال تعالى في تقرير عقيدة البعث بعد الموت: { ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} المؤمنون16 ، وقال تعالى : "
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ
قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " المؤمنون
: 99 - 100 ، وقال تعالى: {َأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون } النحل: 38 ، وقال تعالى : {َزعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ
ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }
التغابن: 7 ، وقال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا
فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الأنعام:
38 ، وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ } المؤمنون: 79، فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الأموات يحييهم
الله جميعاً يوم القيامة فيبعثهم من قبورهم ، ويحشرهم إليه سبحانه ،
فيجازى المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
ثانياً : الاستدلال
بعموم قدرته سبحانه : فالله عز وجل من صفته القدرة المطلقة ، فهو سبحانه
على كل شيء قدير ، وما دام له القدرة المطلقة سبحانه ، فإن مقتضى ذلك أن
يقدر على إحياء الموتى ، لكن المشركين استبعدوا ذلك الأمر وأنكروه ، فضرب
لهم سبحانه الأمثلة بأمور مشاهدة من الحياة هي نظير بعث الأجساد وحشرها ،
قال تعالى : "قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ
إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ*لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ* فَمَالِؤُونَ مِنْهَ
االْبُطُونَ* فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشَارِبُونَ شُرْبَ
الْهِيمِ* هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ* نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ
فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّاتُمْنُونَ* أَأَنتُمْ
تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ
الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ
وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَاتَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ
الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ*
أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاء
لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ*
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي
تَشْرَبُونَ*أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ
الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا
تَشْكُرُونَ*أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنتُمْ
أَنشَأْتُ مْشَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا
تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ " (الواقعة 49:74).
وقد تضمنت هذه الآيات أربعة أدلة حسية ومشاهدة من واقع الإنسان وحياته على جواز البعث وإمكانه :
الدليل
الأول : ماء الرجل ( المني ) : قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُم مَّا
تُمْنُونَ} ووجه الاستدلال بهذا الدليل على البعث، أن المني إنما يحصل من
فضلة الهضم ، وهو كالطل المنبث في أطراف الأعضاء ، فإذا أراد الإنسان
إخراجه تجمع من أجزاء البدن ، وأخرجه ماء دافقاً إلى قرار الرحم ليتكون
إنساناً جديداً ، فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها ، وكون منها ذلك
الشخص ، فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى من التراب ؟!!
وقد تكرر هذا
الدليل في مواضع أخر من كتاب الله منها في سورة الحج الآيات 5 : 7 : "يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ
وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ
نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن
يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا
يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا
أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ
زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ
آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ".
وفي سورة القيامة الآيات 36 : 40 : " أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ
سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً
فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى *
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى "،وفي سورة
الطارق الآيات 5 : 8 : " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِن
مَّاء دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* إِنَّهُ
عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ* ".
الدليل الثاني: إنبات النبات: قال
تعالى فى سورة الواقعة الآيات 63 : 67 " أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ *
أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاء
لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ*
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ" وجه الإستدلال أن الحَبْ إذا وقع في الأرض
الندية ، واستولى عليه الماء والتراب فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد،
لكنه لا يفسد بل يبقى محفوظاً حتى إذا ازدادت الرطوبة انفلقت الحبة فلقتين ،
فيخرج منها ورقتان ، ثم تكبر لتستوي شجرة تامة ، أفلا يدل ذلك على قدرة
كاملة ، وحكمة شاملة ، فمن قدر على إخراج شجرة باسقة من بذرة صغيرة كيف
يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء بعد تفرقها وتفتتها.
وقد تكرر
هذا الدليل في غير ما آية منها قوله تعالى: { وَهُوَالَّذِي يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ
سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء
فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } الأعراف57.
الدليل الثالث : إنزال المطر
: قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ
أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُون } ، ووجه
الاستدلال بهذا الدليل على البعث أن الماء عند صعوده إلى السماء يتحول إلى
بخار ، وتعبث به الرياح فتفرقه تفرقاً عظيماً ، ومع ذلك يجمعه سبحانه ،
ويعيده إلى حالته الأولى ، وينزله إلى مواضع يريدها ، فمن قدر على جمع ذرات
الماء وإعادتها إلى حالتها الأولى ، وإرجاعها من حيث صعدت ، كيف يعجز عن
جمع ذرات الإنسان ورفاته وإعادته.
الدليل الرابع : استخراج النار من
الشجر الأخضر : قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ *
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ * نَحْنُ
جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} ووجه الإستدلال بهذه
الآيات على البعث بعد الموت قدرته سبحانه على ما هو أصعب من جهة العقل من
بعث الأجساد وإحيائها ، وهو استخراج النار من الشجر الأخضر ، فإن الله ألهم
بني آدم استخراج النار من الشجر الأخضر على رغم التنافر بين خاصتيهما ،
فالشجر أخضر رطب بارد ، والنار يابسة حارة ، فمن قدر على إيداع الحرارة في
الأجسام الرطبة ، فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها بعد تفتتها
واضمحلالها .
وقد تكرر ذكر هذا الدليل في غير ما آية منها قوله
تعالى: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي
الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ
الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} ( يس:
78-80)
ثالثاً: الاستدلال بأن من قدر على ابتداء الخلق ، فهو قادر
على الإعادة : وهذه الدلالة تقريرها في العقل ظاهر، ووضوحها بين ، فإن من
قدر على الخلق أول مرة، فهو قادر على إعادة ما خلق ، فإن الخلق الأول حصل
من لا شيء ، والإعادة حاصلة من بقايا مخلوق سابق ، فهي أيسر في قانون العقل
، وأما في قانون القدرة الإلهية فالكل سواء ، وقد ورد هذا الدليل في مواضع
من كتاب الله ، ففي سورة البقرة : 28 : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وفي سورة الإسراء:49 :51 {وَقَالُواْ أَئِذَا
كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً *
قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى
هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }، وفي سورة العنكبوت: (19){
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}،وفي سورة الروم (27): { وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} وفي سورة يس (79): {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}.
رابعاً :
الاستدلال بأن من خلق الأعلى والأكبر فقدرته على خلق الأدنى والأصغر أولى :
وهذا في حقنا أما في حق الله فالكل في قدرته سواء كبرالمخلوق أم صغر ،
فخلق السموات كخلق الذر الكل سواء في ميزان القدرة الإلهية ، ولكنه سبحانه
يضرب الأمثال لنا بما نعقله وندركه ، وقد ورد هذا الدليل في آيات منها في
سورة الإسراء (99): { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} وفي سورة
يس (81):{ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيم } وفي
سورة الأحقاف (33): { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ،
فاستدل باقتداره على خلق السموات على اقتداره على إعادة الأجساد.
خامساً
: الاستدلال على وقوع الحشر لمحاسبة العباد : وإثابة المحسنين ومعاقبة
المسيئين ، واستيفاء المظالم والحقوق التي لم تستوف في الدنيا ، فإن الخلق
في الدنيا يتظالمون ، فيعتدي بعضهم على بعض ، وقد يموت المظلوم ، ولما يقتص
من الظالم ، والله حكم عدل ، فلو لم يكن هناك بعث للحساب والجزاء لانتفت
صفة العدالة في حقه تعالى ، فكان البعث بعد الموت ضرورياً لمجازاة المحسن
ومعاقبة المسيء، وقد ورد هذا المعنى في العديد من الآيات، قال تعالى:
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ
حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}( يونس 4 )، وقال
تعالى: { إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى }( طه: 15)، وقال تعالى: " وَمَاخَلَقْنَا السَّمَاء
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ* أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ
نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ " ( ص28:27 )، فلو لم يكن هناك بعث
لكان هذا الخلق عبثاً ولاستوى المؤمنون والمفسدون والمتقون والفجار . قال
الرازي في تفسيره : " واعلم أن من سلّط الظالم على المظلوم ثم إنه لا ينتقم
منه فذاك إما للعجز أو للجهل أو لكونه راضيا بذلك الظلم ، وهذه الصفات
الثلاث على الله تعالى محال ، فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين ، ولما
لم يحصل هذا الإنتقام في دار الدنيا ، وجب أن يحصل في الدار الآخرة بعد دار
الدنيا " أ.ه .
سادساً : الاستدلال بإحياء الموتى في الدنيا على
صحة الحشر والنشر: حيث حكى القرآن كثيرا من القصص الواقعية التي دلت على
جواز بعث الأجساد بعد موتها ، كما في قصة البقرة ، وهي قوله تعالى: {
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة: 73)، فلما ضربوا
الميت ببعض البقرة قام وأخبر عن قاتله، وهي دليل على بعث الأجساد بعد موتها
، ومنها قصة إبراهيم - عليه السلام - حيث طلب من ربه رؤية كيف يحيي الموتى
، فأراه سبحانه ذلك عياناً ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ
بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ
الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ
اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(البقرة:260)، ومنها قصة الذي مرّ على قرية فرأى
خرابها ودمارها وموت أهلها ، فتساءل كيف يحيي الله أهل هذه القرية ؟ فأراه
الله صورة حية وواقعية مشاهدة لإحياء الموتى ، إذ أماته مدة مائة عام ثم
أحياه ، وطلب منه مشاهدة إحياء حماره فرأى ذلك رأي العين ، قال تعالى :
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ
اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ
إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ
نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ
أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } البقرة259، ومنها قصة
أصحاب الكهف، فإن الله أيقظهم من منامهم بعد فترة طويلة من الزمن ، وعلل
ذلك بقوله: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا } الكهف: 21 ، ومنها
قصة أيوب - عليه السلام – الذي ابتلاه الله في نفسه وأهله وماله، حيث مات
أهله، وفقد ماله، واعتلت صحته، لكنه سبحانه منّ عليه برجوع كل ما ذهب منه،
بما فيهم أهله ، قال تعالى: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ
مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ
عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الأنبياء84 ، ومنها ما أظهره الله
تعالى على يد عيسى - عليه السلام - من إحياء الموتى، قال تعالى : { أَنِّي
أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ
فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ
وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ
وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } آل عمران49 ، فكان إحياء الموتى – بإذن الله - معجزة
من معجزات نبي الله عيسى - عليه السلام - وكان ذلك دليلا ًحسياً لمن حضر
على بعث الأجساد، ودليلا سمعياً قطعياً لتواتره لمن لم يحضر .
فهذه
هي أصول الدلائل التي ذكرها الله تعالى في كتابه على صحة عقيدة البعث بعد
الموت ، وإعادة الأجساد إلى وضعها قبل الموت ، وهي أدلة واضحة جلية ، خاطب
بها سبحانه أصناف الخلق من المنكرين وغير المنكرين ، فالمنكرون ليؤمنوا
وغير المنكرين ليزدادوا إيماناً ، وقد ترقى سبحانه في مخاطبة أصناف البشر،
فمنهم من قرب له صورة البعث بما يعرف من أحوال نفسه وأحوال العالم كإنزال
المطر وإحياء الأرض وإنبات النبات ، ومنهم من خاطبه بضرورات العدل في وجوب
إثابة المحسنين ومعاقبة المحسنين ، ومن لم يقتنع لا بالدليل العقلي الحسي
ولا بالدليل العقلي المنطقي ، خاطبه بالقصة والحكاية التي تسرد وقائع ثبتت
صحتها بالدليل المتواتر عن أناس قاموا من بعد موتهم وأخبروا بما طلب منهم .
ومن
لم يؤمن بكل تلك الأدلة ولم يقنعه أي منها ، فلا شك في عناده وجحوده وهذا
عاقبته النار وبئس المصير ، وقد نص سبحانه على كفر منكر البعث بعد الموت ،
لأنه مكذب بخبر الله تعالى ، ومنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، قال
تعالى: " وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ
أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن
رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً* قَالَ
لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن
تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً " (الكهف: 35- 37 ) .
والأحاديث الشريفة التى تواترت عن الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم عن البعث ويوم القيامة والحساب كثيرة جدا ً ، ولكنى أيضا ً سأكتفى بذكر حديثين يثبت منهما
أن هناك موت ونشور وحساب بعد العث :
-
ينفخ في الصور والصور كهيئة القرن فيصعق من في السماوات ومن في الأرض وبين
النفختين أربعين عاما ويمطر الله في تلك الأربعين مطرًا فينبتون من الأرض
كما ينبت البقل ومن الإنسان عظم لا تأكله الأرض عجب ذنبه وفيه يركب الجسد
خلقه يوم القيامة ، قال : ثم ذكر البعث وذكر الحساب فيوضع الصراط ويتمثل
لهم ربهم فيقال : لتنطلق كل أمة إلى ما كانت تعبد حتى إذا بقي المسلمون قيل
لهم : ألا تذهبون قد ذهب الناس فيقولون : حتى يأتي ربنا فيقول : من ربكم
فيقولون : ربنا الله لا شريك له فيقال : هل تعرفون ربكم إذا رأيتموه ؟
فيقولون : إذا تعرف لنا عرفناه فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله
منك فيكشف لهم عن ساق فيقعون له سجدا ًويجسر أصلاب المنافقين ولا يستطيعون
سجودا فذلك قوله : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } [
القلم : 42 ] ثم ينطلق ويتبع أثره وهو على الصراط حتى يجوزوا على النار
فإذا جازوا فكل خزنة الجنة يدعوه يا مسلم ها هنا خير لك ، فقال أبو بكر :
من ذلك المسلم يا رسول الله ؟ قال : إني لأطمع أن تكون أحدهم الراوي: أبو
هريرة - المحدث: ابن منده - المصدر: الإيمان لأبن منده - الصفحة أو الرقم:
301 - خلاصة حكم المحدث:مقبول رواته مشاهير
- قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال ( لا ألفين
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله !
أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ً قد أبلغتك ، ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا
أملك لك شيئا ً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته
شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ً قد
أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول :
يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله ! أغثني ،
فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على
رقبته صامت فيقول : يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا أملك لم شيئا قد
أبلغتك )
الراوي: أبو هريرة - المحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم:1831- خلاصة حكم المحدث:صحيح
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
" اللهم أحسن ختام أيامنا وأعمالنا ، وأحسن وقوفنا بين يديك
ولا تخزنا يوم العرض عليك ، بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين "
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} الحج 7
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } المدثر38
صَدَقَ اللهُ العَلىِّ العَظِيّم
السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته بداية أتوجه بشكرى لأخونا الفاضل عماد للفت
نظرنا لهذا الموضوع الهام ، بطرحه سؤاله بمنتدى المشرفين عن فيديو منتشر
على شبكة النت خاص بالإثبات العلمى لكيفية إحياء الله للموتى يوم القيامة ،
والتى هى بلا شك حقيقة مثبته بالكتاب والسُنة ، ولذلك فكرت فى طرح هذا
الموضوع الذى أتحدث فيه عن قضية الموت والبعث والنشور من واقع ما ورد
بالقرآن الكريم والأحاديث الشريفة المطهرة .....
يُعد البعث بعد
الموت وحشر الخلائق إلى بارئها لنيل جزائها يوم القيامة ، من العقائد
الأساسية في القرآن الكريم ، ولما كانت هذه العقيدة محل شك واستبعاد من قبل
المشركين كما حكى الله عنهم قولهم : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً
وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} الصافات 16 فقد اهتم القرآن اهتماماً
بالغاً بإثبات هذه العقيدة وتقريرها ، والرد على المشككين فيها ، وتنوعت
أدلة القرآن في تقرير هذه العقيدة بين إخبار بوقوع البعث ، وتدليل على
وقوعه ، واستدلال بالحس على إمكانه ، وتشبيهه بأمور تجري واقعاً في الحياة ،
وبين ذكر قصص متنوعة لحالات تم فيها بإرادة إلهية إحياء الموتى ،وسوف نعرض
لهذا كله من خلال استعراض آيات القرآن الواردة في هذا الشأن .
أولاً:
خبر القرآن بالبعث: قال تعالى في تقرير عقيدة البعث بعد الموت: { ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} المؤمنون16 ، وقال تعالى : "
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ
قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " المؤمنون
: 99 - 100 ، وقال تعالى: {َأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون } النحل: 38 ، وقال تعالى : {َزعَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ
ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }
التغابن: 7 ، وقال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا
فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الأنعام:
38 ، وقال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ } المؤمنون: 79، فهذه الآيات وغيرها تدل على أن الأموات يحييهم
الله جميعاً يوم القيامة فيبعثهم من قبورهم ، ويحشرهم إليه سبحانه ،
فيجازى المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته.
ثانياً : الاستدلال
بعموم قدرته سبحانه : فالله عز وجل من صفته القدرة المطلقة ، فهو سبحانه
على كل شيء قدير ، وما دام له القدرة المطلقة سبحانه ، فإن مقتضى ذلك أن
يقدر على إحياء الموتى ، لكن المشركين استبعدوا ذلك الأمر وأنكروه ، فضرب
لهم سبحانه الأمثلة بأمور مشاهدة من الحياة هي نظير بعث الأجساد وحشرها ،
قال تعالى : "قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ
إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ
الْمُكَذِّبُونَ*لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ* فَمَالِؤُونَ مِنْهَ
االْبُطُونَ* فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشَارِبُونَ شُرْبَ
الْهِيمِ* هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ* نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ
فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّاتُمْنُونَ* أَأَنتُمْ
تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ
الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ
وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَاتَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ
الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ*
أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاء
لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ*
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي
تَشْرَبُونَ*أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ
الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا
تَشْكُرُونَ*أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنتُمْ
أَنشَأْتُ مْشَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا
تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ " (الواقعة 49:74).
وقد تضمنت هذه الآيات أربعة أدلة حسية ومشاهدة من واقع الإنسان وحياته على جواز البعث وإمكانه :
الدليل
الأول : ماء الرجل ( المني ) : قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُم مَّا
تُمْنُونَ} ووجه الاستدلال بهذا الدليل على البعث، أن المني إنما يحصل من
فضلة الهضم ، وهو كالطل المنبث في أطراف الأعضاء ، فإذا أراد الإنسان
إخراجه تجمع من أجزاء البدن ، وأخرجه ماء دافقاً إلى قرار الرحم ليتكون
إنساناً جديداً ، فإذا كانت هذه الأجزاء متفرقة فجمعها ، وكون منها ذلك
الشخص ، فكيف يمتنع عليه جمعها مرة أخرى من التراب ؟!!
وقد تكرر هذا
الدليل في مواضع أخر من كتاب الله منها في سورة الحج الآيات 5 : 7 : "يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ
مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ
وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ
نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن
يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا
يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا
أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ
زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي
الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ
آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ".
وفي سورة القيامة الآيات 36 : 40 : " أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ
سُدًى* أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى* ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً
فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى *
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى "،وفي سورة
الطارق الآيات 5 : 8 : " فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ* خُلِقَ مِن
مَّاء دَافِقٍ* يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ* إِنَّهُ
عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ* ".
الدليل الثاني: إنبات النبات: قال
تعالى فى سورة الواقعة الآيات 63 : 67 " أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ *
أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاء
لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ*
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ" وجه الإستدلال أن الحَبْ إذا وقع في الأرض
الندية ، واستولى عليه الماء والتراب فالنظر العقلي يقتضي أن يتعفن ويفسد،
لكنه لا يفسد بل يبقى محفوظاً حتى إذا ازدادت الرطوبة انفلقت الحبة فلقتين ،
فيخرج منها ورقتان ، ثم تكبر لتستوي شجرة تامة ، أفلا يدل ذلك على قدرة
كاملة ، وحكمة شاملة ، فمن قدر على إخراج شجرة باسقة من بذرة صغيرة كيف
يعجز عن جمع الأجزاء وتركيب الأعضاء بعد تفرقها وتفتتها.
وقد تكرر
هذا الدليل في غير ما آية منها قوله تعالى: { وَهُوَالَّذِي يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ
سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء
فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } الأعراف57.
الدليل الثالث : إنزال المطر
: قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ
أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُون } ، ووجه
الاستدلال بهذا الدليل على البعث أن الماء عند صعوده إلى السماء يتحول إلى
بخار ، وتعبث به الرياح فتفرقه تفرقاً عظيماً ، ومع ذلك يجمعه سبحانه ،
ويعيده إلى حالته الأولى ، وينزله إلى مواضع يريدها ، فمن قدر على جمع ذرات
الماء وإعادتها إلى حالتها الأولى ، وإرجاعها من حيث صعدت ، كيف يعجز عن
جمع ذرات الإنسان ورفاته وإعادته.
الدليل الرابع : استخراج النار من
الشجر الأخضر : قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ *
أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ * نَحْنُ
جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ} ووجه الإستدلال بهذه
الآيات على البعث بعد الموت قدرته سبحانه على ما هو أصعب من جهة العقل من
بعث الأجساد وإحيائها ، وهو استخراج النار من الشجر الأخضر ، فإن الله ألهم
بني آدم استخراج النار من الشجر الأخضر على رغم التنافر بين خاصتيهما ،
فالشجر أخضر رطب بارد ، والنار يابسة حارة ، فمن قدر على إيداع الحرارة في
الأجسام الرطبة ، فكيف يعجز عن تركيب الحيوانات وتأليفها بعد تفتتها
واضمحلالها .
وقد تكرر ذكر هذا الدليل في غير ما آية منها قوله
تعالى: { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي
الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ
مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ
الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ} ( يس:
78-80)
ثالثاً: الاستدلال بأن من قدر على ابتداء الخلق ، فهو قادر
على الإعادة : وهذه الدلالة تقريرها في العقل ظاهر، ووضوحها بين ، فإن من
قدر على الخلق أول مرة، فهو قادر على إعادة ما خلق ، فإن الخلق الأول حصل
من لا شيء ، والإعادة حاصلة من بقايا مخلوق سابق ، فهي أيسر في قانون العقل
، وأما في قانون القدرة الإلهية فالكل سواء ، وقد ورد هذا الدليل في مواضع
من كتاب الله ، ففي سورة البقرة : 28 : {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ
وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ
ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وفي سورة الإسراء:49 :51 {وَقَالُواْ أَئِذَا
كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً *
قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي
صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ
أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى
هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً }، وفي سورة العنكبوت: (19){
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ
ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}،وفي سورة الروم (27): { وَهُوَ الَّذِي
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ
الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ} وفي سورة يس (79): {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}.
رابعاً :
الاستدلال بأن من خلق الأعلى والأكبر فقدرته على خلق الأدنى والأصغر أولى :
وهذا في حقنا أما في حق الله فالكل في قدرته سواء كبرالمخلوق أم صغر ،
فخلق السموات كخلق الذر الكل سواء في ميزان القدرة الإلهية ، ولكنه سبحانه
يضرب الأمثال لنا بما نعقله وندركه ، وقد ورد هذا الدليل في آيات منها في
سورة الإسراء (99): { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} وفي سورة
يس (81):{ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيم } وفي
سورة الأحقاف (33): { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى
أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ،
فاستدل باقتداره على خلق السموات على اقتداره على إعادة الأجساد.
خامساً
: الاستدلال على وقوع الحشر لمحاسبة العباد : وإثابة المحسنين ومعاقبة
المسيئين ، واستيفاء المظالم والحقوق التي لم تستوف في الدنيا ، فإن الخلق
في الدنيا يتظالمون ، فيعتدي بعضهم على بعض ، وقد يموت المظلوم ، ولما يقتص
من الظالم ، والله حكم عدل ، فلو لم يكن هناك بعث للحساب والجزاء لانتفت
صفة العدالة في حقه تعالى ، فكان البعث بعد الموت ضرورياً لمجازاة المحسن
ومعاقبة المسيء، وقد ورد هذا المعنى في العديد من الآيات، قال تعالى:
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ
حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}( يونس 4 )، وقال
تعالى: { إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ
نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى }( طه: 15)، وقال تعالى: " وَمَاخَلَقْنَا السَّمَاء
وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا
فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ* أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ
نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ " ( ص28:27 )، فلو لم يكن هناك بعث
لكان هذا الخلق عبثاً ولاستوى المؤمنون والمفسدون والمتقون والفجار . قال
الرازي في تفسيره : " واعلم أن من سلّط الظالم على المظلوم ثم إنه لا ينتقم
منه فذاك إما للعجز أو للجهل أو لكونه راضيا بذلك الظلم ، وهذه الصفات
الثلاث على الله تعالى محال ، فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين ، ولما
لم يحصل هذا الإنتقام في دار الدنيا ، وجب أن يحصل في الدار الآخرة بعد دار
الدنيا " أ.ه .
سادساً : الاستدلال بإحياء الموتى في الدنيا على
صحة الحشر والنشر: حيث حكى القرآن كثيرا من القصص الواقعية التي دلت على
جواز بعث الأجساد بعد موتها ، كما في قصة البقرة ، وهي قوله تعالى: {
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(البقرة: 73)، فلما ضربوا
الميت ببعض البقرة قام وأخبر عن قاتله، وهي دليل على بعث الأجساد بعد موتها
، ومنها قصة إبراهيم - عليه السلام - حيث طلب من ربه رؤية كيف يحيي الموتى
، فأراه سبحانه ذلك عياناً ، قال تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ
رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ
بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ
الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ
مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ
اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(البقرة:260)، ومنها قصة الذي مرّ على قرية فرأى
خرابها ودمارها وموت أهلها ، فتساءل كيف يحيي الله أهل هذه القرية ؟ فأراه
الله صورة حية وواقعية مشاهدة لإحياء الموتى ، إذ أماته مدة مائة عام ثم
أحياه ، وطلب منه مشاهدة إحياء حماره فرأى ذلك رأي العين ، قال تعالى :
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ
اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ
يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ
إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ
نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ
أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } البقرة259، ومنها قصة
أصحاب الكهف، فإن الله أيقظهم من منامهم بعد فترة طويلة من الزمن ، وعلل
ذلك بقوله: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا } الكهف: 21 ، ومنها
قصة أيوب - عليه السلام – الذي ابتلاه الله في نفسه وأهله وماله، حيث مات
أهله، وفقد ماله، واعتلت صحته، لكنه سبحانه منّ عليه برجوع كل ما ذهب منه،
بما فيهم أهله ، قال تعالى: { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ
مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ
عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} الأنبياء84 ، ومنها ما أظهره الله
تعالى على يد عيسى - عليه السلام - من إحياء الموتى، قال تعالى : { أَنِّي
أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ
فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ
وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ
وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } آل عمران49 ، فكان إحياء الموتى – بإذن الله - معجزة
من معجزات نبي الله عيسى - عليه السلام - وكان ذلك دليلا ًحسياً لمن حضر
على بعث الأجساد، ودليلا سمعياً قطعياً لتواتره لمن لم يحضر .
فهذه
هي أصول الدلائل التي ذكرها الله تعالى في كتابه على صحة عقيدة البعث بعد
الموت ، وإعادة الأجساد إلى وضعها قبل الموت ، وهي أدلة واضحة جلية ، خاطب
بها سبحانه أصناف الخلق من المنكرين وغير المنكرين ، فالمنكرون ليؤمنوا
وغير المنكرين ليزدادوا إيماناً ، وقد ترقى سبحانه في مخاطبة أصناف البشر،
فمنهم من قرب له صورة البعث بما يعرف من أحوال نفسه وأحوال العالم كإنزال
المطر وإحياء الأرض وإنبات النبات ، ومنهم من خاطبه بضرورات العدل في وجوب
إثابة المحسنين ومعاقبة المحسنين ، ومن لم يقتنع لا بالدليل العقلي الحسي
ولا بالدليل العقلي المنطقي ، خاطبه بالقصة والحكاية التي تسرد وقائع ثبتت
صحتها بالدليل المتواتر عن أناس قاموا من بعد موتهم وأخبروا بما طلب منهم .
ومن
لم يؤمن بكل تلك الأدلة ولم يقنعه أي منها ، فلا شك في عناده وجحوده وهذا
عاقبته النار وبئس المصير ، وقد نص سبحانه على كفر منكر البعث بعد الموت ،
لأنه مكذب بخبر الله تعالى ، ومنكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة ، قال
تعالى: " وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ
أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن
رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً* قَالَ
لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن
تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً " (الكهف: 35- 37 ) .
والأحاديث الشريفة التى تواترت عن الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم عن البعث ويوم القيامة والحساب كثيرة جدا ً ، ولكنى أيضا ً سأكتفى بذكر حديثين يثبت منهما
أن هناك موت ونشور وحساب بعد العث :
-
ينفخ في الصور والصور كهيئة القرن فيصعق من في السماوات ومن في الأرض وبين
النفختين أربعين عاما ويمطر الله في تلك الأربعين مطرًا فينبتون من الأرض
كما ينبت البقل ومن الإنسان عظم لا تأكله الأرض عجب ذنبه وفيه يركب الجسد
خلقه يوم القيامة ، قال : ثم ذكر البعث وذكر الحساب فيوضع الصراط ويتمثل
لهم ربهم فيقال : لتنطلق كل أمة إلى ما كانت تعبد حتى إذا بقي المسلمون قيل
لهم : ألا تذهبون قد ذهب الناس فيقولون : حتى يأتي ربنا فيقول : من ربكم
فيقولون : ربنا الله لا شريك له فيقال : هل تعرفون ربكم إذا رأيتموه ؟
فيقولون : إذا تعرف لنا عرفناه فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله
منك فيكشف لهم عن ساق فيقعون له سجدا ًويجسر أصلاب المنافقين ولا يستطيعون
سجودا فذلك قوله : { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } [
القلم : 42 ] ثم ينطلق ويتبع أثره وهو على الصراط حتى يجوزوا على النار
فإذا جازوا فكل خزنة الجنة يدعوه يا مسلم ها هنا خير لك ، فقال أبو بكر :
من ذلك المسلم يا رسول الله ؟ قال : إني لأطمع أن تكون أحدهم الراوي: أبو
هريرة - المحدث: ابن منده - المصدر: الإيمان لأبن منده - الصفحة أو الرقم:
301 - خلاصة حكم المحدث:مقبول رواته مشاهير
- قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ثم قال ( لا ألفين
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، يقول : يا رسول الله !
أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ً قد أبلغتك ، ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم
القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا
أملك لك شيئا ً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته
شاة لها ثغاء يقول : يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا ً قد
أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح فيقول :
يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق فيقول : يا رسول الله ! أغثني ،
فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على
رقبته صامت فيقول : يا رسول الله ! أغثني ، فأقول : لا أملك لم شيئا قد
أبلغتك )
الراوي: أبو هريرة - المحدث:مسلم - المصدر:صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم:1831- خلاصة حكم المحدث:صحيح
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
" اللهم أحسن ختام أيامنا وأعمالنا ، وأحسن وقوفنا بين يديك
ولا تخزنا يوم العرض عليك ، بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين "
الإثنين مايو 14, 2012 3:35 am من طرف Admin
» كيف اخشع فى الصلاة
الخميس أبريل 26, 2012 3:29 am من طرف Admin
» مائة سؤال في النصرانية ليس لها إجابة
الخميس أبريل 26, 2012 3:27 am من طرف Admin
» وسائل الشيطان في غواية الإنسان
الخميس أبريل 26, 2012 3:25 am من طرف Admin
» محاضرة الشيخ أبي إسحاق الحويني بمدينة أسيوط مفرغة
الخميس أبريل 26, 2012 3:23 am من طرف Admin
» أعمال وأقوال تدخلك الجنة بمشيئة الله
الخميس أبريل 26, 2012 3:20 am من طرف Admin
» عــلاج السحــر
الخميس أبريل 26, 2012 3:19 am من طرف Admin
» 50 حديثاً في فضـائل الأعمـال
الخميس أبريل 26, 2012 3:18 am من طرف Admin
» عالج نفسك بالرقية الشرعية
الخميس أبريل 26, 2012 3:16 am من طرف Admin